Main photo تدبرٌ مدثر

تدبرٌ مدثر

  • من طرف أبوأحمد
  • 5117 مشاهدة

تدبرٌ مُدّثرٌ بخوف الزلل
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال سبحانه وتعالى:
({قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
 وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ
 فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ
 وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}-سورة الأنعام-


سنجد أن هذه الآيات حوت عشر أمور يجب علينا أن نعلم حُرمة التفريط فيها أو بشيء منها ألا وهي:


1-إخلاص التوحيد لله وعدم الشرك به أبداً .
2-الإحسان للوالدين وليس فقط القيام بحقهما.
3-عدم قتل الأولاد سواءاً كانوا ذكوراً أو إناثاً بسبب الخوف من الفقر وعدم القدرة على
الإنفاق عليهم وقرر الكريم سبحانه أن رزق الأبناء وآبائهم أمرٌ مكفول من قبل الرازق سبحانه وتعالى.
4-عدم الاقتراب من الفواحش جميعها سواءاً الظاهرة للناس أو الباطنة في القلب و النفس.
5-عدم قتل النفس التي ورد فيها حكم إلهي بتحريم مسها وقتلها باستثناء ما أُوجب قتل
 ممن أتى من الفعل ما يوجب معه قتله بنص صريح من كتاب الله وسنة رسوله  .
6-عدم الاقتراب من أموال اليتيم وما هو ملكٌ له إلا بحدود ما أباحه الله من انفاق عليه ونحوه.
7-ايفاء الكيل والميزان وعدم انقاص شيء منه أو زيادة شيء وإنما وزنه كما هو تماماً وهذا هو العدل.
8-العدل في القول ابتغاء الحق مهما كان المقول عنه ولو كان من أقاربك وعدم الميل أو المداهنة في الحق.
9-الوفاء بالعهود التي أوجبها الله سبحانه وتعالى عموماً .
10-اتباع الطريق الواضح البين وهو طريق الإسلام كما هو موضّح في كتاب الله وسنة رسوله
 وعدم الالتفات عنه إلى طُرق وسُبل أُخرى تقوم على أفكار وأهواء واختلافات 
تؤدّي بكم إلى البُعد عن الإسلام الحق والضلالة والهلاك.


فهذه هي مجمل المحرمات التي نهانا الله سبحانه وتعالى عن الاقتراب منها 
فلعل أحدنا يقول وكيف يكون الاقتراب؟

فلنعلم أن الاقتراب يكون من الٌقرب من أسبابها التي إن تهاوناً في التعاطي معها حتماً 
سنكون قريبين من الوقوع في عُمق ذاك الأمر المحرم
فالشركُ بالله مثلاً يبدا من الاعتقاد والتهاون في مسائل النفع والضر فتتعلق قلوبنا بالأسباب
 ونُعظمها حتى نصل إلى مرحلة
نعتقد فيها لا إرادياً أن هذه الأسباب تنفع لذاتها أو تضر فنكون قد وقعنا في الشرك من حيث لا نعلم


ومن هذه الأمور كمثال التَطّبُب فنُلاحظ أن البعض يقول عليكم بالدكتور الفلاني
 فعلاجه نافع وهو ممتاز ما ذهب إليه أحد إلا وشُفي من مرضه
فيكون صاحب هذا القول قد وقع في الشرك من حيث لا يعلم إذ أن الطبيب 
مجرد سبب والشافي هو الله وحده وما هو
 إلا بلاء للطبيب الذي فتح الله عليه من علمه ليختبر مدى شكره وحمده 
وايمانه بربه وللمريض حتى يعلم مدى إيمانه بربه 
فالأصل أن يقال عليكم بفلان قد فتح الله عليه ووهبه من فضله علماً 
وما ذهب إليه أحد إلا وهداه الله لعلاجٍ ينفعه وشافاه الله بفضله


.........

والاقتراب من الفواحش عموماً سواءاً الظاهرية والتي تظهر من خلال 
عمل الجوارح الخارجية من قول ما حرم الله
أو فعل ما حرم الله أو سماع ما حرم الله أو النظر لما حرم الله أو اتيان 
ما حرم الله أو الفواحش الباطنية مما يعتمل
 في النفس وفي القلب من حسد وبغض وكره وحقد وتمني الشر
وإخفاء السوء وغير ذالك فإنما يكون الاقتراب من هذه الفواحش عن طريق اتيان مسبباتها


فمثال ذالك:


لو أخذنا الزنى كمثال فالوقوع في الزنى لا يكون إلا إذا سبقه مسببات تحث النفس على الوقوع فيه كالسماح للنفس
 بأن تُطلق النظر في الطرف المقابل وأن تسمح لنفسها بأن تستمع لما يُثير النفس تجاه العلاقة بالآخر وتتواجد في
 بيئة تُزين للنفس مسألة إقامة علاقة مع الطرف الآخر فهذه أسباب حرص الشرع على تجنبها والبُعد عنها لأنها هي
 السبيل السريع لبلوغ لحظة الانغماس في تلك الفاحشة بدون رادع من ضمير في لحظتها


...........................

لو تدبرنا في هذه العشر موانع التي حرم الله علينا
 اتيانها سنجد أنه لم يذكرها في آية واحدة وإنما فصّلها في ثلاث آيات مختلفات
 وختم في كل آية بدلالة تتعلق تحديداً بتلك المحرمات التي تضمنتها الآية 
ففي الخمس محرمات الأولى : والتي ترتبط بالعقيدة والأفعال الدالة على اختلال العقيدة لدى المسلم ختمها بقوله
 :(ذالكم وصاكم به لعلكم تعقلون) 
أي حتى تعقلوا أن هذه الوصايا محرمة فلا تقتربوا منها وأنها تُعد مما يُهدم به الدين فلا تمسوها

فالشرك بالله(إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذالك لمن يشاء) فاتيان الشرك=خلود في جهنم إلا من تاب وأناب.
وبر الوالدين قرنه الله سبحانه وتعالى بعبادته حقاً وجعل العقوق أمر يكاد يواز الشرك بالله ولو تأملنا سبب هذا الاقتران
لوجدنا أن الشرك بالله هو أمر يشتمل على انكار وجحود وظُلم إذ أن الله يُعطي وحده ويُشرك في الثناء والعبادة معه من لم يُعطي أو يبذل شيئاً وما كان له ذالك
والعقوق يشتمل أيضاً على جحود ونكران جميل فالوالدان يبذلان أسباب الحياة لفلذة أكبادهما بعد مشيئة الله ثم يكون جزائهما الإساءة والانتقاص وبذل الإحسان لما سواهما 
وقيل:(لا يشكر الله من لا يشكر الناس)


وفي قتل الأولاد بسبب مخافة الفقر أيضاً جحود ونكران لله فإن الله من رزق الآباء هؤلاء
الأبناء وعندما يعترض الأباء على هذا الرزق ويرون أن في مجيئة مضرة لهم وسبباً لفقرهم
 فهُنا يُتهم العليم الحكيم بأنه لم يُحسن الاختيار ولم ينظر لعاقبة الرزق الذي قدّره وهذا
انتقاص حاشا لله أن يُرم به سبحانه وتعالى فيكون هذا الفعل هادمٌ للعقيدة لما حواه من
 اعتراض على ما حكم الله به باستشعار أن في حكمه مظلمة 
وفي الاقتراب من الفواحش من زنى وسرقة وحسد وحقد ونحوها أسباب تؤدي في نهاية
المطاف بمن يُداوم عليها مصراً عليها إلى بلوغ مرحلة المجادلة في الله ولو عُدنا لواقعنا
 لوجدنا أن أغلب الذين انكبوا عن الإسلام واتخذوا طريق الكفر والإلحاد كان السبب الرئيسي
 في بلوغهم تلك المرحلة هو الاقتراب من الفواحش والاصرار على ارتكابها وبلوغ الهوى
 في الاستمتاع بها مما وصل بهم الحال إلى كُره أي قول أو أمر يُشير إلى منعها أو انكارها .


وفي قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق (مازال المؤمن في سعة من دينه مالم يقتل نفساً محرمة)
فهذه المحرمات تؤدي بصاحبها إلى المهالك التي لا نجاة منها حتماً إلا بتوبة صادقة ومن العقل والحكمة
البُعد عن عظائم الأمور التي تؤدي بمن يقترب منها إلى الهاوية سريعاً ولذالك ختم هذه المحرمات المهلكة
 بلعلكم تعقلون (أي تعقلون عظمتها ومدى حُرمتها فلا تقتربوا من مسبباتها ناهيكم عن اتيانها)
والله أعلم


ونُلاحظ في الآية الثانية
 والتي اشتملت على أربع محرمات نقطة الوصل بينها أن مرتبطة بالمعاملات المادية المرتبطة
بالآخرين والتي في الاخلال بها يقع الضرر على أولئك القوم كالقائم على أمور اليتيم والمتكفل برعايته فهُنا عليه مسؤولية
الحفاظ على أموال اليتيم الذي لا يكون قادر على القيام بشؤونه وعدم استغلال ضعف وقلة حيلة اليتيم لاستغلال أمواله في منفعته الشخصية 
وكمسؤولية التاجر في عدم استغلال حاجة الناس للغذاء ونحوه فيقوم بالتلاعب بالكيل والميزان فيُنقص منه متى شاء وكيفما شاء 
وكمسؤولية العهود والمواثيق التي يبذلها الإنسان بحيث يكون في انقاصها اضرار بالآخرين ومن تلك العهود ما يكون بُذل لله كالأمر
 بالمعروف والنهي عن المنكر ونحوه وفيه ما يكون للناس من عهود وعقود تتعلق بالمعاملات أو بالماديات وهذه جميعها لو تم ا
لاخلال بها كانت المفاسد هي الأعم والأشمل على مستوى التعامل بين الناس ولانتشرت المظالم فهذه إذا وصاياً ترتبط بالمظالم والمفاسد ولذالك ختم الآية
بأنه إن علمتم أن هذه الأمور في المعاملات حرام اتيانها والاقتراب منها تذكرتم واتعظتم فلم تستهينوا بمدى حرمتها

وفي الآية الثالثة
 خصص للمحرم العاشر من هذه الوصايا آية منفردة لأنه اشتمل على أمر
 عام يشمل جميع ما سبق من وصايا وغيرها من الأوامر والنواه الإلهية التي لم تُذكر في هذه الوصايا 
وهو الإسلام والتمسك بطريقه الحق القائم على الكتاب والسنة (تركتم فيكم أمرين
 ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي) وعدم الالتفات عنه إلى
الطُرق القائمة على أقوال الخلق أو أفكار الخلق التي تتعمد الفلسفة والمنطق والهوى
 في التحليل مما يورد صاحبها لمزالق الشيطان حتى يبدأ في الانسلاخ عن الدين بدون
 أن يشعر ولأن في التهاون بهذا الأمر وفي الانجرار خلف سُبل الأفكار والعقائد الضالة
 سبيل إلى الانجرار لا شعورياً بعيداً عن طريق الإسلام الواضح القويم فهُنا كانت الوقاية
واتقاء الوقوع في هذا الأمر بالتزام طريق الإسلام المتمثل في الكتاب والسنة فكان
أن ختم الآية بقوله سبحانه وتعالى:(لعلكم تتقون) والله أعلى وأعلم





هذا شيءٌ من التدبر في هذه الآيات إن وُفقتُ فيه فيكون فتحاً من الله أحمده عليه وإن أسأتُ فيه فيكون نزغٌ من الشيطان والنفس أستغفر الله منه وأستعيذه من شره



أبوأحمد
أبوأحمد

الكاتب راجية الشهاده

منشورات مماثلة