(1) يدخل الأب من باب المنزل وتجرى نحوه فتاة جميلة صغيرة السن لتريه فستانها الجديد أبيض اللون فيخبرها كم هي جميلة ويهديها قطعة من الحلوى لتسعد بها ثم يحتضنها بشدة ويلتقطها من الأرض ويرفعها قليلاً فهو الأب والأم لها، الأم .. الحبيبة .. آه لكم اشتاق إلي اللقاء. كأنه قد علم!
(2) انتظر طويلاً في قاعة الاستقبال داخل أحد المطارات وها هو إعلان عن إقتراب وصول الطائرة، الطائرة التي تحمل اخاه بل أعز اصدقائه لم يره منذ خمسة أعوام وافتقده بشدة ولا يكاد يصدق أن هذا اليوم قد أتي اخيراُ؛ ثم شعر بشئ غريب واتسعت حدقة عينه ونظر إلي السماء مطولاً وظل صامتاً. كأنه قد علم!
(3) نعم هذا هو اسمه الذي دُعي للصعود إلي منصة الإحتفال ليلقي كلمته، فمزيج من المشاعر يملأ صدره شعور بالفخر بذاته لما حققه، شعور بالأمل في مستقبل أفضل، شعور بالسعادة الغامرة لأنه أنقذ البشرية من مرض خطير بإكتشافه لهذا العلاج، شعور بالراحة بعد عناء وتعب طال لسنوات عديدة حتي يصل لإكتشافه ثم ما هذا؟! شعور غامض أتي لوهلة واستمر جعل وجهه شاحباُ صامتاً للحظات. كأنه قد علم!
(4) إنتهي من صلاته للتو وشعر براحة شديدة أحس كأن قلبه وعقله صافيان كصفاء الماء وجهه مبتسم والخشوع يملأ روحه يشعر بزهد في الحياة ولا يري فيها إلا الجمال ولا يكتمل الجمال إلا بالنهايات، ويتمني اللقاء ويستشعر سعادته ولكن كما قيل فليحذر المرء مما يتمناه؛ فأغمض عيناه وسرح بخياله يتخيل اللقاء. كأنه قد علم!
(5) اتسعت عيناه وارتسمت البسمة علي وجهة وهو ينظر لها قادمة كحلم يقترب بعينين ساحرتين تبتعد عند الالتقاء وابتسامة فاتنة تسحر القلوب أو لعلها سحرته هو فقط لا يعلم ولا يهتم، تأبي عيناه أن تتحرك وكأن الزمان قد توقف في هذه اللحظة وينتظر قربها، وتمني لو أن المسافات تطوى، وتعجب لماذا أصبح الزمن بطيئاً هكذا فاستحالت الثواني سنوات بل وأكثر؛ ثم أطرق صامتاً متصلباً كأن أحد يسحب روحه ببطئ شديد. كأنه قد علم!
ماذا قد علموا؟! هل تسائلنا جميعاً عن هذا! سأخبركم هل علموا بأنها اللحظة الأخيرة بأن الحياة توقفت الأن وكل شئ قد انتهي!!
في يوم واحد في لحظة واحدة اختفي كل شئ كأنه لم يكن، عشرات الآلاف من البشر قد استحالوا رماداً بل أبشع من هذا بكثير فهنا قطعة قماش بيضاء محترق اطرافها و قطع من حقائب سفر وقلادة تتويج ومسبحة و.. و بقايا صندوق هدايا مشتعل!
بقرار انسان واحد وبضغطة زر واحدة تم إبادة ثمانين الف نفس بشرية ثمانين الف حلم ومستقبل وحاضر ثمانين الف شعور وشعور تم إبادة حضارة وتقدم وعلم تم إبادة حياة وجنس!
تلك آثار قنبلة نووية واحدة، الثانية والأخيرة علي اليابان علي ناجازاكي في اليوم التاسع من شهر اغسطس عام 1945 تلك آثار ادني خطوات البشرية في صناعة الأسلحة النويية بعيداُ عن القنابل الهيدروجينية كل البعد حتي!
سأنتقل بك الأن إلي عام 2030 ووصول أحد قردة العصر وأحد الاشخاص الذين ينتمون إلي قاع سلم التطور البشر إلي حكم اكبر دول العالم وبتعصب ذميم دينياً أو قبلياً كان يقرر وفي لحظة واحدة البدء بحرب نووية، يوجد حول العالم 16,000 سلاح نووي منهم 2,000 سلاح جاهزون للإطلاق في أى لحظة -غير ما لم يكشف عنه- فلنتخيل تلك اللحظة معاً ونشهد بعقلنا دمار الجنس البشري بإجتماع العلم بعظمته مع الجهل والعنصرية بكل مساوئهما!
كل ما صنعه البشر من حضارة كل ما تركوه من إنشاءات وإنجازات كل ما وجد علي تلك الأرض منذ 300.000 عام يصبح رماداً تذروه الرياح.
فلنقف لحظة ونفكر فالأمر ليس بهين حقاً، هل حياتنا في عصر كهذا تستحق! هل نستطيع بعد التفكير في هذا أن نحلم أن نعمل أن نشعر بأن للحياة لوناً أخر غير الرمادي؟! كيف وقد يصبح كل ما نفعل وسنفعل وما لم نفعل رماداً لا أثر ولا ذكرى ولا أحد، كل من تحب ومن تكره من تحمد ومن تذم ما تفعل وما تترك كل هذا وأكثر قد يختفي وبأبشع شكل يمكن تخيله وفي لحظات معدودة وما يبقي سيري الأبشع من سرطانات وبوار وتدمير!
فلنطالب بحقنا في الحياة، فلنطالب بحقنا أن نحيا فندافع عن من وما نحب!